و المقصود هنا أن الذين قالوا أنها عين قائمة بنفسها غير البدن و أجزائه و أعراضه تنازعوا هل هي جسم متحيز على قولين كتنازعهم فى الملائكة
فالمتكلمون منهم يقولون جسم و المتفلسفة يقولون جوهر عقلي ليس بجسم و قد أشرنا فيما تقدم الى أن ما تسمية المتفلسفة جواهر عقلية لا توجد الا في الذهن و أصل تسميتهم المجردات و المفارقات هو مأخوذ من نفس الإنسان فإنها لما كانت تفارق بدنه بالموت و تتجرد عنه سموها مفارقة مجردة ثم أثبتوا ما أثبتوه من العقول و النفوس و سموها مفارقات و مجردات بناء على ذلك و هم يريدون بالمفارق للمادة ما لا يكون جسما و لا قائما بجسم لكن النفس متعلقة بالجسم تعلق التدبير و العقل و لا تعلق له بالأجسام أصلا و لا ريب أن جماهير العقلاء على اثبات الفرق بين البدن و الروح التى تفارق و الجمهور يسمون ذلك روحا و هذا جسما
لكن لفظ الجسم فى اللغة ليس هو الجسم فى اصطلاح المتكلمين بل الجسم هو الجسد كما تقدم و هو الجسم الغليظ أو غلظه و الروح ليست مثل البدن فى الغلظ و الكثافة و لذلك لا تسمى جسما
فمن جعل الملائكة و الأرواح و نحو ذلك ليست أجساما بالمعنى اللغوي فقد أصاب فى ذلك و رب العالمين أولى أن لا يكون جسما فانه من المشهور فى اللغة الفرق بين الأرواح و الأجسام