وأَنها إِنَّما حصلت له بتوفيق الله، ومشيئته؛ ولو خُلِّى ونفسه لم يسمح بها البتَّة. فإِذا رآها من نفسه، وغفل عن مِنَّة الله عليه، تاب من هذه الرّؤية، والغفلة. ولكن هذه الرّؤية ليست التَّوبة ولا جُزْأَها، ولا شرطها، بل جناية أُخرى حصلت له بعد التوبة، فيتوب من هذه الجناية؛ كما تاب من الجناية الأُولى. فما تاب إِلاَّ من ذنب أَوّلاً، وآخراً. والمراد التَّوبة من نُقْصان التوبة وعدم توفيتها حقَّها.
ووجهٌ ثالثٌ لطيف. وهو أَنَّه منْ حصل له مقام الأُنْس بالله - تعالى - وصفاءُ وقته مع الله - تعالى - بحيث يكون إِقباله على الله، واشتغاله بذكر آلائه وأَسمائه وصفاته، أَنفع شئٍ له، مَتى نزل عن هذا الحال اشتغل بالتَّوبة من جناية سالفة، قد تاب منها، وطالع الجناية، واشتغل بها عن الله تعالى، فهذا نقص ينبغى أَن يتوب إِلى الله منه. وهى توبة من هذه التَّوبة، لأَنَّه نزول من الصّفاءِ إِلى الجفاءِ. فالتَّوبة من التوبة إِنما تُعْقل على أَحد هذه الوجوه الثلاثة. والله أَعلم.
واعلم أَنَّ صاحب البصيرة إِذا صدرت منه الخطيئة فله فى توبته نظر إِلى أُمور. أَحدها النظر إِلى الوعد والوعيد فيُحدث له ذلك خوفا، وخشيةً تحمله على التوبة.
الثانى: أَن ينظر إِلى أَمره تعالى ونهيه فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة، والإقرار على نفسه بالذنب.
الثالث: أَن ينظر إِلى تمكين الله تعالى إِيّاه منها، وتخليته بينه وبينها،