﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ إِن قيل: حكمه تعالى حَسَن لمن يوقن ولمن لا يوقن فَلِمَ خصّ؟ قيل: القصد إِلى ظهور حسنه والاطِّلاَع عليه؛ وذلك يظهر لمن تزكَّى واطَّلع على حكمة الله تعالى، دون الجَهَلة.
والإِحسان يقال على وجهين: أَحدهما الإِنعام على الغير، وقد أَحسن إِلى فلان. والثَّانى إِحسان فى فعله. وذلك إِذا علم علماً حَسَناً، أَو عمل عملاً حَسَناً. وعلى هذا قول أَمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه: "النَّاس أَبناءُ ما يحسنون" أَى منسوبون إِلى ما يعملونه من الأَفعال الحسنة. والإِحسان أَعمّ من الإِِنعام.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان﴾ فالإِحسان فوق العدل. وذلك أَنَّ العدل هو أَن يعطِى ما عليه ويأْخذ ما له، والإِحسان أَن يعطى أَكثر ممّا عليه ويأْخذ أَقلّ ممّا له. فالإِحسان زائد عليه. فتحرِّى العدل واجب، وتحرى الإِحسان نَدْب وتطوع، ولذلك عظم الله ثواب أَهل الإِحسان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين﴾.
والإِحسان من أَفضل منازل العبوديّة؛ لأَنه لبّ الإِيمان ورُوحُه وكمالُه. وجميع المنازل منطوية فيها. قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم "الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ"