وفى الجملة، منزلة الصّدق من أَعظم منازل القوم، الذى نشأَ منه جميع منازل السّالِكين. وهو الطريق الأَقوم الَّذى من لم يَسِرْ عليه فهو من المنقَطِعين الهالكين. وبه تميّز أَهل النفاق من أَهل الإِيمان، وسكانُ الجنان من أَهل النيران. وهو سيف الله فى أَرضه الذى ما وضع على شىء إِلاَّ قطعه، ولا واجه باطلاً إِلاَّ أَزاله وصرعه. فهو رُوح الأَعمال، ومحلّ الأَحوال، والحامل على اقتحام الأَهوال، والباب الذى دخل منه الواصلون إِلى حضرة ذى الجلال.
وقد أَمر الله سبحانه أَهل الإِيمان أَن يكونوا مع الصّادقين، وخصّص المنعَم عليهم بالنَّبيِّين والصّدِّيقين والشهداء والصّالحين، فقال: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين﴾، وقال: ﴿وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين﴾، فهم أَهل الرّفيق الأَعلى، / ﴿وَحَسُنَ أولائك رَفِيقاً﴾، ولا يزال الله يَمدّهم بنعمهِ وأَلطافه، ويزيد إِحسانًا منه وتوفيقًا، ولهم مزيّة المعِيّة مع الله، فإِن الله تعالى مع الصّادقين. ولهم منزلة القرب منه؛ إِذ درجتهم منه ثانى درجة النبيّين، وأَثنى عليهم بأَحسن أَعمالهم: من الإِيمان، والإِسلام، والصّدقة، والصّبر، [و] بأَنَّهم أَهل الصّدق فقال: