فتأَمّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعه عنده على العرش، وطابِق بين ذلك وبين قوله: ﴿الرحمان عَلَى العرش استوى﴾، وقوله: ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمان فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ ينفتح لك بابٌ عظيم من معرفة الرّب تبارك وتعالى، لا يغلقُه عنك التعطيل والتَّجسيم.
واعلم أَنَّ صفات الجلال أَخصّ باسم الله، وصفات الإِحسان والجُود والبِرِّ والحَنَان والرّأْفة واللّطف أَخصُّ باسم الرَّحمان. وكرَّره فى الفاتحة إِيذانًا بثبوت الوصف. وحصول أَثره، وتعلُّقه بمتعلّقاته.
والرَّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أَرسل إِليهم رُسُله، وأَنزل عليهم كُتُبه، وبها هداهم، وبها أَسكنهم دار ثوابِه، وبها رزقهم وعافاهم.
وقد ورد الرّحمة فى القرآن على عشرين وجهاً:
الأَوّل: بمعنى منشور القرآن: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾.
الثانى: بمعنى سيّد الرُسُل: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وقال صلىَّ الله عليه وسلَّم: "إِنَّما أَنَا رَحْمَة مُهْدَاة".
الثالث: بمعنى توفيق الطَّاعة والإِحسان: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ﴾.