الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، قيل معناه: وهبها الله لكم، ثمَّ حَرَّمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل: كتب لكم بشرط أَن تدخلوها وقرئ: (عليكم) أَى أَوجبها عليكم. وإِنما قال (لكم) تنبيهاً أَنَّ دخولهم إِيَّاها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل؛ فيكون ذلك لهم لا عليهم، و. ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله﴾ أَى فى علمه وحكمه، وقوله: ﴿اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله﴾، أَى فى حكمه.
ويعبَّر بالكِتاب عن الحُجَّة الثابتة من جهة الله، نحو قوله: ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾، وقوله: ﴿أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ إِشارة إِلى العلم والتحقيق والاعتقاد. وقوله: ﴿وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ﴾ إِشارة فى تحرِّى النِّكاح إِلى لطيفة، وهى أَنَّ الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح ليُتحرَّى به طلب النَّسل الذى يكون سبباً لبقاءِ نوع الإِنسان إِلى غاية قدَّرها، فيجب للإِنسان أَن يتحرَّى بالنكاح ما جعل الله على حسب مقتضَى العقل والدِّيانة، ومَن تحرَّى بالنكاح حفظ النسل وحظَّ النفس على الوجه المشروع فقد انتهى إِلى ما كتب الله له، وإِلى هذا أَشار من قال: عنى بـ (ما كتب الله لكم) الولدَ.
ويعبَّر بالكتابة عن الإِيجاد، وعن الإِزالة والإِفناءِ بالمحو، قال تعالى: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ﴾ نبَّه أَن لكلِّ وقت إِيجاداً، فهو يوجد ما تقتضى الحكمة إِيجاده، ويزيل ما تقتضى الحكمة إِزالته. ودلَّ قوله: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ على نحو ما دلَّ عليه قوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾.