فهذه الأَماكن وأَمثالها صريحة فى أَنها للامتناع، لأَنها عُقّبت بحرف الاستدراك داخلاً على فعل الشرط منفيًّا لفظاً أَو معنى، فهى بمنزلة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولاكن الله رمى﴾. فإِذا كانت دالَّة على الامتناع ويصحّ تعقيبها بحرف الاستدراك دلَّ على أَن ذلك عامّ فى جميع مواردها، وإِلاَّ يلزم الاشتراك، وعدم صحّة تعقيبها بالاستدراك. وذلك ظاهر كلام سيبويه، فلم يخرج عنه.
وأَمَّا قول مَن قال: إِنه ينتقض كونه للامتناع بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾ الآية، وبالأَثر العُمَرىّ: لو لم يخف، وبقول النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو لم تكن ربيبتى فى حجرى لما حلَّت لى" فإِنه يمكن ردّ جميع ذلك إِلى الامتناع. وإِيضاح ذلك بأَن تقول: إِذا قلنا: امتنع طلوع الشمس لوجود الليل فليس معناه انتفاءُ طلوع الشمس رأْساً بل انتفاؤه لوجود الليل. وفَرْق بين انتفائه لذلك وانتفائه المطلق، فإِن الأَوّل أَخصّ من الثانى. ولا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام. فاذا قلنا: لو حرف امتناع لامتناع كان المعنىّ به أَن التالى يمتنع امتناعاً مضافاً إِلى امتناع المقدَّم. وليس المعنىّ به أَنه يمتنع مطلقا. وإِذا قلت فيمن قيل لك انتقض وضوءُه لأَنه مسّ ذكره: لم ينتقض لأَنه مسّ، فإِنه لم يمسّ، ولكن لناقض آخر غير المسّ، صحّ؛ ولذلك لك أَن تقول: لم ينتقض لأَنه لم يمسّ. كلَّ هذا كلام صحيح، وإِن كان وضوءه منتقِضاً عندك بناقض آخر؛ فإِن حاصل كلامك أَن الانتقاض