وأَبْغَضَه. وأَيضاً فالزاهدون فيها إِنما ينظرون إِليها بالبصائر، والرّاغبون ينظرون إِليها بالأَبصار، فيَتَوَحَّش الزَّاهد ممّا يَأْنَسُ به الراغِبُ كما قيل:
وإِذا أَفاقَ القَلْبُ وانْدَمَل الهَوَى | رَأَتِ القُلُوبُ ولم تَرَ الأَبْصارُ |
والدّرجة الثانية: هِمَّةٌ تورِث أَنَفَةً من المبالاة بالعِلَل والنُّزُول على العمل، والثِّقة بالأَمل. والعِلَل ها هُنا الاعتمادُ على الأَعمال ورؤية ثمراتها ونحو ذلك، فإِنَّها عندهم عِلَلٌ، فصاحبُ هذه الهِمَّة تَأْنَفُ هِمَّتُه وقَلْبُه من أَن يُبالِىَ بالعِلَل، فإِنَّ همّته/ فوقَ ذلك، ففكرتُه فيها ومبالاتُه بها نزولٌ من الهمّة. وعدمُ هذه المبالاة إِمّا لأَنَّ العِلَل لم تحصل له؛ لأَنَّ علوَّ هِمّته حال بينه وبينها فلا يُبالى بما لا يحصل له، وإِمّا لأَنّ همّته وسَعَة مطلبِه وعلوّه تأْتى على تلك العِلَل وتستأْصلها، فإِنَّه إِذا عَلَّق همّته بما هو أَعلَى منها تضمّنَتها الهمّة العالية، واندرج حكمُها فى حكم الهمّة العالية. وهذا محلّ عزيز جدّاً.
وأَمّا الأَنَفَة من النُّزول على العمل فمعناه أَنّ العالِىَ الْهِمَّة مَطْلَبُه فوقَ مطلَب العُمّال والعُبّاد وأَعلى منه، فهو يَأْنَفُ أَن ينزل من سماءِ