قَدْرها وخَطَرَها، وما أَقْوَى إِعانَتها على السُّلوك، فمن أَحسن بها فقد أَحسَّ واللهِ بالفَلاح، وإِلاَّ فهو فى سَكَراتِ الغَفْلة، فإِذا انْتَبَه وتَيَقَّظَ شَمَّر بهِمَّتِه إِلى السّفَرِ إِلى مَنازِله الأُولَى، فأَخذ فى أُهْبَة السّفر، وانتقل إِلى مَنْزِلَة العَزْم، وهو العَهْدُ الجازم على الشىءِ، ومُفارقَة كلّ قاطِع ومُعَوِّق، ومُرافَقَة كلّ مُعِينٍ ومُوَصِّل، وبحَسَب كمالِ انْتِباهِه ويَقَظَتِه تكون عَزِيمتُه، وبحسب قوّة عَزْمه، يكون استعدادُه، فإِذا استيقَظ أَوْجَبَتِ اليقظةُ الفِكْرَةَ وهى تحديقُ القَلْب نحو المطلوب الَّذى قد سَعِدَ به مُجْمَلا، ولم يَهْتَدِ إِلى تفصيله، وطريق الوصول إِليه، فإِذا صحّت فِكرَتُه أَوْجَبَتْ له البَصيرَةَ، وهى نُورٌ فى القَلْب يَرَى به حقيقة الوَعْدِ والوَعِيد، والجنَّة والنَّار، وما أَعّدّ الله فى هذه لأَوليائه، وفى هذه لأَعدائه، فأَبْصَر النَّاسَ وقد خرجوا من قُبورِهم مُهْطِعِين لِدَعْوَه الحَقِّ، وقد نَزَلَت ملائكة السماوات فأَحاطت، وقد جاءَ الله ونَصَبَ كرسيَّه لفَصْل القَضاءِ، وقد أَشرقت الأَرض بنوره، ووضع الكتاب، وجاءَ بالنبيين والشهداءِ، وقد نُصِبَ المِيزان، وتَطايَرَت الصُّحُف، واجْتمعتِ الخصومُ، وتعلَّق كلُّ غَرِيم بغَرِيمه، ولاح الحوضُ وأَكوابُه عن كَثبٍ، وكثر العِطاش، وقَلَّ الوارِد، ونُصِبَ الجسْرُ للعُبور عليه، والنار تَحْطِمُ بعضُها بعضاً تحته والسَاقطون فيها أَضعاف أَضعاف الناجين، فينفتح فى قلبه عَيْنٌ ترى ذلك، ويقوم بقَلْبه شاهدٌ من شواهدِ الآخرة يُرِيه الآخرة ودَوامَها،