وقيل: اليَقِين هو المُكاشَفة، وهى على ثلاثة أَوجه: مكاشَفَةٌ بالأَخْبارِ، ومكاشَفَةٌ بإِظهار القُدْرَة، ومكاشَفَةُ القُلوب بحقائِق الإِيمان. ومرادُ القَوْمِ بالمكاشَفَة ظهور الشَّىْءِ بالقلب بحيث تصير نِسْبَتُه إِليه كنِسْبة المرئىّ إِلى العين، فلا يَبْقَى معه شكٌّ ولا رَيْب أَصلا، وهذا نهايةُ الإِيمان، وهو مَقامُ الإِحسان. وقد يريدون بها أَمراً آخر وهو ما يَراهُ أَحدٌ فى برْزَخٍ بين النَّوْم واليَقَظة عند أَوائل تجرُّد الرُّوح عن البَدَن ومن أَشار إِلى غيرِ هذَيْن فقط غَلِط، ولُبِّس عليه.
وقال السّرىُّ: اليقين سُكُونُك عند جَوَلان الموارِد فى صَدْرك، لِيَقِينِك أَن حَرْكَتَك فيها لا تَنْفعك ولا تردّ عنك مَقْضِيّاً.
وقال أَبو بكرٍ الورّاق: اليقين مِلاكُ القَلْب، وبه كمالُ الإِيمان. وباليَقِين عُرِفَ الله، وبالعقل عُقِلَ عن الله.
وقال الجُنَيْد رحمه الله: قد مَشَى رجالٌ باليَقين على الماء، ومات بالعَطَشِ من هو أَفضل منهم يَقِيناً.
وقد اختلف فى تفضيل اليقين على الحُضور، والحضور على اليقين، فقيل: الحضور أَفضل. وبعضهم رَجَّحَ اليَقِين وقال هو غايَةُ الإِيمان. والأَوّل رأَى أَنَّ اليقينَ ابتداءُ الحضور، وكأَنه جعل اليقينَ ابتداءً والحضُورَ دواماً، وهذا الخلاف لا يتبيّن، فإِنَ اليقين لا ينفكَّ عن الحضور، والحضورَ لا ينفكَّ عن اليقين، بل فى اليقين من زيادة