فى المَوْقف وشاهَدَها الخلائِقُ، وبُرِّزت الجَحيم وعاينها الخلائِق، فذلك عَيْنُ اليَقين، فإِذا دخل أَهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأَهلُ النَّار النَّارَ فذلك هو حَق اليقين.
وقوله المَعْنَىُّ بالاسْتدراك عن الاسْتدلال، يُريد بالاسْتدراك الإِدْراكَ والشُّهودَ، يعنى أَنَّ صاحبَه قد استغنَى به عن طَلَب الدّليل، فإِنَّه إِنَّما يَطْلُب الدَّليلَ ليحصلَ له العلَمُ بالمَدْلُول فإِذا كان المدلولُ مُشاهَداً له وقد أدركه بكَشْفه، فأَىّ حاجة به إِلى الاستدلال؟ وهذا معنى الاستغناء عن الخَبَر بالعَيان.
وأَمّا قوله وخَرْق الشهود حجابَ العلم، فيريد به أَنَّ المعارف التى تحصُل لصاحب هذه الدرجة هى من الشُّهود الخارق لحجاب العلْم، فإِنَّ العلْم حجابٌ على المَشْهُود، ففى هذه الدّرجة يرتفع الحجابُ ويُفْضى إِلى المعلوم بحيث يُكافحُ قَلْبَه وبَصيرَتَه.
ثمّ قال: والدّرجة الثالثة حَقُّ اليَقين، وهو إِسْفارُ صُبْح الكَشْف، ثم الخلاصُ من كُلْفَة اليَقين، ثم الفناءُ فى حَقّ اليقين. انتهى كلامه.
والحق إِنَّ هذه الدّرجة لا ينالها فى هذا العالم إِلاَّ الرّسلُ صلوات الله وسلامه عليهم، فإِنَّ نبيّنا صلَّى الله منه رأى بعينه الجنَّة والنَّار، ومُوَسى عليه السّلام سَمعَ كلامَ الله إِليه بلا واسطة وكَلَّمة تكليماً، وتَجَلَّى للجبل وموسى ينظر فجَعَلَه دكّاً هشيماً، فحصل لهما حقُّ اليقين، وهو ذَوْقُ ما أَخبر به الرّسولُ من حقائق الإِيمان المتعلِّقة بالقلوب، وأَنَّ القلبَ إِذا باشرها وذاقَها صارت فى حقِّه حَقَّ يقين. وأَمّا فى أُمُور