بصيرة فى ذكر يعقوب عليه السلام
وكان اسمه إِسرائيل، وكلاَ الاسمين أَعْجَمىٌّ غير مُنْصَرِف للعُجْمة والعلمية، هذا هو الَّذى عليه الأَكثرون. وتكلَّف بعضُهم فى القول باشتقاقهما، فقال فى إِسْرائيل إِسْر بالسّريانية: الصَّفىّ والخاصَّة، وإِيل بلغتهم: اللهُ، فمعناه صَفىُّ الله وخاصَّتُه. وقيل: أَسْرا مَعناه: الأُسْرَة، وإِيل بمعنى الآل، أَى هو نَبِىٌّ وآلُهُ وأَقارِبُه أَنْبِياءُ. وقيل: أَسْر من الأَسْر، وإِيل اسم شَيْطانٍ. وسُمِّىَ به لأَنَّه عليه السّلام كان خادماً للمَسْجد الأَقْصَى والمَسْجد الحرام على اختلافِ القولَيْن، وكان يُوقِدُ فيه السُّرُجَ للعابدين والمُصَلِّين، وكان الشيطان المسمّى إِيل مُسَلَّطاً عليها يأتيها ويُطْفئُها، فلمّا اطَّلع على ذلك يعقوبُ تَرَصَّد له وأَسَره ورَبَطه إِلى سارِيَةٍ حتى رآه الناسُ عَياناً، فقالوا أَسَرَ إِيل أَى أَسَرَ الشيطان، فخفَّفوه وقالوا أَسْر إِيل. وأَمّا يعقوبُ فإِنَّه سُمِّىَ به لأَنه كان يعقب أَوامَر الله تعالى ونَواهيَه من كتابه فيَعْمَل بها. وقيل: سُمِّىَ يعقوبَ لأَنَّه عاقَبَ شَيْطانَه المتقدّم ذكْرُه. وقيل: لأَنَّه يَعْقُبُه / ذُرِّيَّتُهُ. وقيل: لأَنَّه خرجَ من بَطْنِ أُمِّه متعلِّقا بعَقب أَخيه عيصو، وسُمِّىَ أَخوه عيصُو لأَنَّه عَصَى بالتَّقَدُّم عَلَيْه. وفى بعض الآثار القُدْسيّة أَنَّ الله تعالَى قال: لَوْ عَلمْتُ شيئاً أَبْلَغَ فى عُلُوِّ دَرَجَةٍ من الهَمِّ والحُزْنِ لابْتَلَيْتُه. وأَوْحَى الله إِليه لمّا أَكْثَر من البُكاءِ على فراقِ يوسف، يا يَعْقُوبُ هذا بُكاؤك على فِراقِ الوَلَدِ، فكيف بكاؤك على فِراقِ الوَاحِدِ الأَحَد! وقِيلَ لمَّا قَدِمَ البشيرُ على يَعْقُوبَ يُبَشِّرُه ببَقاءِ يُوسُفَ ولِقائه قال يَعْقُوب: على أَىِّ دِين تَرَكْتَه؟ قال عَلَى الإِسْلام. فقال: الآن تَمَّتِ النِّعْمة.
وكان يَعْقوبُ حَفِيدَ الخَلِيل، ووَلَدَ الذَّبِيحِ، ووالِد الصدِّيق، ومُقْدَّمَ الأَسْباط وشَيْخَهم، وجَدَّ أَنْبِياءِ بنى إِسْرائِيلَ، وابن أَخى إِسماعيل، ووارِثَ جَمالِه. واعتكف فى بيت الأَحْزان أَرْبَعِينَ سَنَةً، وقيل: سَبْعِين سنةً. واسْتَنْشَقَ ريحَ ثَوْب يوسفَ من مسافةِ ثمانين فَرْسَخاً.