ما لم يظهر للحِسّ، بل هو من عَالمَ المَلَكُوت، وهي الملائكةُ والرُّوحانِيَّات، والروحُ والقلب أعني العارف بالله تعالى من جملة أجزاء الآدَمِيّ، فإنهما أيضاً من جملة عَالَم الغَيْب والملكوت، وخارجٌ عن عالم المُلْكِ والشهادة، ومنها الملائكة الأرضية المُوَكَّلَة بجنس الإنس، وهي التي سجدت لآِدمَ عليه السلام، ومنها الشياطينُ المُسَلَّطة على جنس الإنس، وهي التي امتنعت عن السجود له، ومنها الملائكة السَماوِيَّة، وأعلاهم الكُروبِيُّون، وهم العاكفون في حَظيرة القُدُس، لا التِفاتَ لهم إلى الآدَمِيين، بل لا التِفاتَ لهم إلى غير الله تعالى، لاِستِغْراقهم بجمال الحضرةِ الرُّبوبِيَّةِ وجلاَلها، فهم قاصرون عليه لِحَاظَهم، يُسَبِّحون الليلَ والنهارَ لا يفترون، ولا تستبعد أن يكون في عباد الله من يشغله جَلالُ الله عن الالتفات إلى آدَمَ وذُرِيَّته، ولا يَسْتَعْظِم الآدَمِيُّ إلى هذا الحد، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن للهِ أرضاً بيضاء، مسيرةُ الشمس فيها ثلاثون يوماً، مِثلُ أيام الدنيا ثلاثين مرة، مشحونةٌ خلقاً لا يعلمون أن الله تعالى يُعْصَى في الأرض، ولا يعلمون أن الله تعالى خلق آدَمَ وإبليس". رواه ابن عباس رضي الله عنه وَاسْتَوْسَعَ مملكةَ الله تعالى.
واعلم أن أكثر أفعال الله وأشرفها لا يعرفها أكثر الخلق، بل إدراكُهم مقصور على عالَم الحِسِّ والتَّخْيِيل، وأنهما النتيجة الأخيرة من نتائج عالَم المَلكوت وهو القشر الأقصَى عن اللُّب الأصفَى، ومَن لم يجاوز هذه الدرجة فكأنه لم يشاهد من الرُّمان إلا قِشرَته، ومن عجائب الإنسان إلا بَشَرَته، فهذه جملة القسم الأول، وفيها أصناف


الصفحة التالية
Icon