بل مثلْ الطالب والمطلوب مثل صورة حاضرة مع مرآة، ولكن ليست تَتَجَلَّى في المرآة لِصَدأ في وجه المرآة، فمتى صَقَلْتَها تجلَّت فيه الصورة، لا بِارتِحَال الصورة إلى المرآة، ولا بحركة المرآة إلى الصورة، ولكن بزوال الحِجَاب، فإن الله تعالى مُتَجَلٍّ بذاته لا يحتفي، إذْ يستحيل اختفاء النور، وبالنور يظهر كلُّ خفاء، والله نور السماوات والأرض، وإنما خفاء النور عن الحَدَقَةِ لأحد أمرَيْنِ: إما لِكُدورَةٍ في الحَدَقَة، وإما لِضَعفٍ فيها، إذْ لا تُطيق احتمالَ النورِ العظيمِ الباهر، كما لا يطُيق نورَ الشمس أبصارُ الخفَافيش، فما عليك إلا أن تُنَقِّي عن عين القلب كُدورَتَه، وتقوِّي حَدَقَته، فإذا هو فيه كالصورة في المِرآة، حتى إذا غَافَصَكَ في تجلِّيه فيها بادرتَ وقلتَ إنه فيه، وقد تَدَرَّع باللاَّهوت ناسوتي، إلى أن يُثَبِّتَكَ الله بالقول الثابت، فتعرفَ أن الصورة ليست في المرآة بل تجلَّت لها، ولو حلَّت فيها لما تُصُوِّرَ أن تتجلى صورة واحدةٌ بِمرَايا كثيرةٍ في حالة واحدة، بل كانت إذا حلَّت في مرآة ارْتَحَلَتْ عن غيرها، وهَيْهَاتَ فإنه يتجلَّى لجملة من العارفين دفعة واحدة، نعم يتجلى في بعض المَرايا أصحَّ وأظهرَ وأَقْوَمَ وأَوضح، وفي بعضها أخفَى وأمْيَلَ إلى الاعوجاج عن الاستقامة، وذلك بحسب صفاء المرآة وصَقالَتِها وصحة استدارتها، واستقامة بَسْطِ وجهها، فلذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تعالى يتجلَّى للناس عامة ولأبي بكر خاصة".