ويتلوه في الشَّرف عِلمُ الآخرة وهو علم المَعَاد كما ذكرناه في الأقسام الثلاثة وهو متصل بعلم المعرفة، وحقيقته معرفة نسبة العبد إلى الله تعالى عند تحقُّقِهِ بالمعرفة، أو مصيرهِ محجوباً بالجهل. وهذه العلوم الأربعة، أعني (١) عِلمَ الذات (٢) والصفات (٣) والأفعال (٤) وعلم المَعاد، أَوْدَعنا من أوائله ومَجامِعِهِ القدرَ الذي رُزِقنا منه، مع قِصَرِ العُمر وكثرة الشَواغل والآفات، وقلة الأَعْوان والرُفقاء، بعضَ التَّصانيف لكنا لم نُظِهره، فإنه يَكَلُّ عنه أكثرُ الأفهام، ويَسْتَضِرُّ به الضعفاء، وهم أكثر المُتَرَسِّمينَ بالعلم، بل لا يصلح إظهاره إلا على من أتقنَ علم الظاهر، وسلك في قَمع الصفات المذمومة من النفس وطُرقِ المجاهدة، حتى ارتَاضَت نفسُهُ واستقامت على سواء السبيل، فلم يبقَ له حظٌ في الدنيا، ولم يبق له طلبٌ إلاّ الحق، ورُزِقَ مع ذلك فطنة وَقَّادة، وقريحةً مُنقادَة، وذكاءً بليغاً، وفهماً صافياً، وحرام على من يقع ذلك الكتاب بيده أن يُظهره إلاَّ على من استَجْمَعَ هذه الصفات، فهذه هي مجامع العلم التي تتشعب من القرآن ومراتبها.