نُبْذَةٌ عن مصحف عثمان "رضي الله عنه":
من المآثر الخالدة لذي النورين ما فعله حين جمع الناس على مصحف واحد، وجمع القرآن فيه؛ وبذلك صلح أمر الناس من السلف والخلف، ولولا الذي فعله عثمان -رضي الله عنه- لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، كما قال الحسن البصري.
قال الزركشي: وقد اشتهر أن عثمان هو أول من جمع المصاحف؛ وليس كذلك؛ بل أول من جمعها في مصحف واحد الصديق، ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى المصاحف١.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني٢ في "الانتصار للقرآن": "لم يقصد عثمان -رضي الله عنه- قَصْدَ أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين؛ وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثْبِتَ مع تنزيل، ومنسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه؛ خشية دخول الفساد والشبهة على ما يأتي بَعْدُ"٣.
والذي حمل الصحابة -رضوان الله عليهم- على جمع القرآن ما جاء في الحديث أنه كان مفرقًا في: العسب واللخاف وصدور الرجال، فخافوا ذَهَاب بعضه بذهاب حفظته، فجمعوه وكتبوه كما سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير أن يُقدِّموا شيئًا أو يؤخروا، وهذا الترتيب كان منه
٢ ترجمته في مقدمة المصنف.
٣ الانتصار للقرآن، للباقلاني "١/ ١١، ١٢"، وتناول المؤلف فضل أبي بكر وعمر وعلي -رضوان الله عليهم جميعًا- في كتابه هذا "١/ ٩٧" وما بعدها.