الأئمة جاهدوا الناس لإنقاذهم من شؤم الظلام إلى وضح النور، وما زال إجماعهم هكذا في مجال الرأي والفكر والاستنباط.
وحينما أعطى الله تعالى أمة القرآن سلطان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك سلطانًا من الله تعالى لهم أن يصيبوا الحق فيما كان معروفًا أو منكرًا عند الله حينما يجمعون على أحدهما أو عليهما معًا أو يختلفون فلا يعدوهم الحق، وكذلك يقول الله تعالى عن أمة القرآن: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ١ فالوسط: من يُرتضى قوله، والشاهد: من يكون قوله حجة في مجلس القضاء للفصل في الخصومات، وهو إيذان بأن الحق لا يعدوهم مجتمعين أو مختلفين.
وهذه الصفة وإن كانت لأمة القرآن فإنما اكتسبوها من القرآن، فلولا أن القرآن مهيمن على جميع الكتب، ورسوله شاهد على شهداء الأمم كلها، وفيصل بين الحق الذي هو من عند الله وبين باطل تلك الأمم، لما كان لأهله تلك الصفة، ولا تلك العظمة المستمدة من القرآن على مستوى العالم كله في الدنيا، والتي تتعدى الدنيا إلى مجلس القضاء في الآخرة؛ حيث يشهد رسول القرآن -صلى الله عليه وسلم- على شهداء الأمم جميعًا.
وأخيرًا، فإن إعجاز القرآن هو العظمة الذاتية التي حار العلماء والمفكرون في الكشف عنها، وما زالوا يكتشفون منها كل يوم جديدًا، ولا يزالون كذلك ما دام القرآن متلوًّا أو محفوظًا في الصدور.
وليس القول بالإعجاز في القرآن موجهًا نحو العجز عن فهمه بالقدر الذي تقوم به الشريعة كما يحلو لبعض هواة الجدل حول الدين أن يتلمسوا معنًى بعيدًا عن نطاق الفكر الإسلامي كهذا المعنى الذى لم يقل به أحد، فيقيموا حوله سوقًا لئيمًا من الجدل، ويطلقوا القول بعدم