والحديث، والإنسانية كلها إلى الآن لا تعقل حتى إمكان تحقيقه، فلا فلاسفتها ولا مشرعوها يحدثون أنفسهم بالوصول يومًا إلى نظام ينطبق على الفطرة من جميع وجوهها، والمسلمون في شغل بما ينبذ إليهم الغرب من الآراء والمذاهب، غافلين عن الكنز الذي بين أيديهم، والنور الذي فوق أبصارهم، والنعمة الكبرى التى مَنَّ الله عليهم بها في الإسلام.
وحسب القرآن من العظمة أنه المعجزة الباقية على مدى الدهر؛ حيث اندثرت معجزات الرسل السابقين جميعًا بعد أداء وظيفتها في إقامة الدليل على صدق أولئك الرسل. وحسبه كذلك من العظمة أنه يتصل بالحياة ما بقيت الحياة، فبه حياة القلوب بالإيمان، وبه حياة الإيمان بالجهاد، وبه قيام الجهاد بمنهجه الأمثل في تربية إنسان الحضارة الأمثل، وبهذا الإنسان الموصول بالقرآن تنبض الحياة بالعدل، وبه يدبر الظلم والإلحاد، وما كانت معجزات الرسل السابقين كذلك؛ فقد كانت كلها إما متصلة بحياة جسد، أو متحدية وهم السحر، أو حجة على قوم بعينهم مردوا على الكفر فهلكوا بعدها بوسيلة تدمير غيبية، وما كذلك معجزة القرآن التى بقيت لتحقق مزيدًا من الاتساع في قاعدة الإيمان على مدى الزمان.
وَحْدَةُ الموضوع في القرآن:
لا أريد أن أطيل القول في موضوع تلاحم آيات القرآن من الوجهة التي طرقها الإمام السيوطي، وطرقها في عصره الإمام برهان الدين البقاعي في كتابه "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" وهو موسوعة جيدة جدًّا في ستة مجلدات مخطوطة -كبار- وطرقها حديثًا المرحوم الأستاذ سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن"؛ وإنما أريد أن أحدد القول في وحدة موضوع القرآن من حيث هو قوانين فطرية تتدرج إلى قانون واحد فطري من وجهة الاجتماع البشري، لا يمكن بأي حال أن يتبدل ولا يتغير؛ بل إنه يحكم التصرفات البشرية في كل مكان،