﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ١.
وآيات الله في النفس إذا تأملها الإنسان مجردًا عن الكتب والرسالات السماوية تبينت له تلك القوانين الفطرية، وتأكد له أن القرآن لم ينزل إلا بهذه الفطرة التي هي الخلقة الإلهية بقوانينها العلمية الثابتة التي يواجهها إنسان العصر فاغرًا فاه من الدهشة متصورًا أنه على ضد في هذه الحياة؛ لكثرة ما اعتراه من النسيان، وصلابة ما غلف قلبه من رين الغفلة؛ حتى ظن الباطل حقًّا والحق باطلًا إلا من عصم الله، وقليل ما هم.
فالإجماع قد انعقد في جميع الأفهام على أن العبد: اسم خاص للمملوك من جنس العقلاء، والمملوك: اسم لعاقل قهره غيره فاستولى عليه استيلاء السيد على العبد، سواء أكان القاهر له إنسانًا مثله، أو شهوة من شهواته، أم طاغوتًا من الطواغيت، أم شيطانًا من الشياطين، أم هو قوة خفية لا يستطيع أن يميزها، ولا يتبين لها وجهًا ولا جهة، قاهرة عليا فوق كل القوى.
وتَأَمُّلُ الإنسان في نفسه دون تقيد بكتاب ولا رسول يؤكد له في أصل الفطرة أنه عاقل مقهور بالتكوين والإنشاء من العدم، وإذا كان مقهورًا بأصل الفطرة على هذه الصورة فقد انعدمت في فطرته المشيئة؛ لأن المشيئة عبارة عن نهاية الملكية، والإنسان قد فطر على ضدها من المملوكية التي أوضحناها، والدليل على فقدان الإنسان للمشيئة من واقع سلوكه أنه يشاء الكثير من الخير، ولا يصيب إلا المقدور له، والمقسوم منذ الأزل السحيق.