الأنعام حينما يعبد هواه، وإلى الشرك حينما يصبح الظلم عظيمًا بالغفلة عن الله، وعن مراقبته، ومراقبة إنعامه، ونسبة شيء من ذلك إلى العبيد باللسان أو بالوجدان أو بالعمل.
ولقد بث الله تعالى تعاليمه للمؤمنين -وحدة الموضوع القرآني- عن طريق العدل في المطالب البشرية الفطرية في مواضع كثيرة من أظهرها أوائل سورة الروم.
فقد افتتحها الله تعالى بتذكير المؤمنين بأن النصر من عند الله ولكنهم لا يعلمون؛ لأنهم يغفلون عن مطالب الروح فلا يعلمون إلا ظاهرًا من الدنيا، ثم أرشد إلى منهاج الوفاء بمطالب العقل والروح، ووجه الأنظار إلى التفكر في أنفسهم وفي خلق السماوات والأرض بالحق لعاقبة الجزاء، وإلى دراسة تواريخ الأقدمين من جبابرة الكفر، وكيف انتهى بهم الحال إلى ذل مقيم، ثم وجه الأنظار إلى استمرار خط الحياة بعد الموت، وبسط القول في الثواب والعقاب، وأمدهم بمادة التفكر الموصلة إلى حقيقة الإيمان والتوحيد، وكيف أن الملك الحق يفعل ما يريد.
ثم انتهى القول الكريم إلى مخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهه نحو عناصر الفطرة في هذا البيان الحكيم، فقال تعالى قولًا فصلًا فيه كل العلم لأهل البصائر والذكرى.
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ ١.
وهذا هو الموضوع الواحد الذي شرحه القرآن، وعرضه على مختلف