القاضي أبو بكر بن العربي١: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني -علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما لم نجد له حَمَلة، ورأينا الخلف بأوصاف البطلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه٢.
ثم إنك لا ترى علمًا هو أرسخ أصلًا، وأبسق فرعًا، وأحلى جنًى، وأعذب وِرْدًا، وأكرم نِتَاجًا، وأنور سراجًا، من علم البيان، الذى لولاه لم ترَ لسانًا يحوك٣ الوَشْيَ، ويصوغ الحَلْيَ، ويلفظ الدر، وينفث السحر، ويقري٤ الشهد، ويريك بدائع من الزهر، ويجنيك الحلو اليانع من الثمر، والذى لولا تَحَفِّيه٥ بالعلوم، وعنايته بها، وتصويره إياها، لبقيت كامنة مستورة، ولما استبنت لها يد الدهر٦ صورة، ولاستمر السرار٧ بأهلَّتها، واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء٨.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام٩: المناسبة علم حسن؛ ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر١٠.

١ ترجمته في مقدمة المصنف أيضًا.
٢ البرهان في علوم القرآن "١/ ٣٥، ٣٦".
٣ أي: ينسج.
٤ يقري: يجمع.
٥ تحفَّى بفلان: احتفل.
٦ يقولون: لا أفعله يد الدهر أي: لا أفعله أبدًا.
٧ السِّرار بالكسر: اختفاء القمر في آخر ليلة في الشهر.
٨ دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني ٥، ٦.
٩ هو الإمام عبد العزيز بن عبد السلام المشهور بالعز، والملقب بسلطان العلماء، توفي سنة ٦٦٠هـ، ترجمته في طبقات الشافعية "٥/ ٨٠".
١٠ البرهان في علوم القرآن "١/ ٣٧".


الصفحة التالية
Icon