على ذلك؛ فإن مصحف أبي بن كعب وابن مسعود كلاهما قدم فيه الطوال، ثم المثاني، ثم المفصل؛ كمصحف عثمان؛ وإنما اختلفا في ترتيب سور كل قسم كما بينت [ذلك] ١ في الإتقان٢.
[وهذا دليل قوي في دعوى القطع بأن ذلك توقيفي] ٣.
فإذا تحرر ذلك، ونظرنا إلى محل الخلاف، فالمختار عندي في ذلك: ما قاله البيهقي؛ وهو: أن ترتيب كل السور توقيفي، سوى الأنفال وبراءة.
ومما يدل على ذلك ويؤيده: توالي الحواميم، وذوات ﴿الر﴾ ٤ والفصل بين المسبحات، وتقديم ﴿طس﴾ على القصص، مفصولًا بها بين النظيرتين [طسم الشعراء، وطسم القصص] في المطلع والطول، وكذلك الفصل بين الانفطار والانشقاق بالمطففين، وهما نظيرتان في المطلع والمقصد، وهما أطول منها، فلولا أنه توقيفي لحكمة لتوالت المسبحات، وأخرت "طس" عن القصص، وأخرت "المطففين" أو قدمت، ولم يفصل بين ﴿الر﴾ و ﴿الر﴾ ٥.
وليس هنا شيء أعارض به سوى اختلاف مصحف أبي وبن مسعود -رضي الله عنهما- ولو كان توقيفيًّا لم يقع فيهما اختلاف، كما لم يقع في [ترتيب] الآيات٦.
٢ الإتقان "١/ ٢٢٢-٢٢٤" نقلًا عن ابن أشتة في المصاحف من رواية أبي جعفر الكوفي وجرير بن عبد الحميد، وانظر: المصاحف لابن أبي داود "٣٤، ٥٣، ٥٤" وما بعدها، والانتصار للقرآن، للباقلاني "١/ ١٦٥" وما بعدها.
٣ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٤ في "ظ": "والراءات".
٥ انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية "١/ ٥٤" وما بعدها.
٦ قراءة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مكانتها ومصادرها "٦٣" وما بعدها.