بالمغضوب عليهم والضالين الذين فرقوا بين الأنبياء؛ ولذلك عقبها بقوله: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ "١٣٧" أي: إلى الصراط المستقيم، صراط المنعَم عليهم كما اهتديتم١.
فهذا ما ظهر لي، والله أعلم بأسرار كتابه.
الوجه الثاني: أن الحديث والإجماع على تفسير ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ باليهود، والضالين بالنصارى٢، وقد ذكروا في سورة الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزمان، فعقب بسورة البقرة، وجميع ما فيها [من] خطاب أهل الكتاب لليهود خاصة، وما وقع فيها من ذكر النصارى لم يقع بذكر الخطاب٣.
ثم بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنصارى٤؛ فإن ثمانين آية من أولها نازلة في وفد نصارى نجران، كما ورد في سبب نزولها٥، وختمت بقوله: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ "آل عمران: ١٩٩"، وهي في النجاشي وأصحابه من

١ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور "١/ ١٢" وما بعدها، ومصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور "٢/ ٦٧" وما بعدها.
٢ أخرج أحمد في مسنده "٤/ ٣٧٨" والترمذي "٨/ ٢٨٦-٢٨٨" بتحفة الأحوذي تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للمغضوب عليهم والضالين: باليهود والنصارى عن عدي بن حاتم. وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير "١/ ٤٦".
٣ وإنما جاء على أسلوب الخبر؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ "٦٢"، وقوله: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ "١١١" الآية.
٤ في "ظ": "خطابهم للنصارى".
٥ انظر: تفسير القرآن العظيم "٢/ ٤٠" لمعرفة سبب النزول، وقصة وفد نجران في سيرة ابن هشام "١/ ٥٧٣" وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon