في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ وهو عيسى عليه السلام١؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فمختصة بالإعراب٢ [والبيان].
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم؛ لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها٣ من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم في قوله: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ "٥٩" الآية، والمقيس عليه لا بُدَّ وأن يكون معلومًا؛ لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم.
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ "البقرة: ٢٤"، ولم يقل في الجنة: أعدت للمتقين، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معًا٤، وقال ذلك في آل عمران٥ في قوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ "١٣٣"، فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة.
وبذلك يعرف أن تقديم آل عمران على النساء أنسب من تقديم النساء عليها.

١ وذلك قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ "٥٩".
٢ في "ظ": "فخصت بالأغرب".
٣ في المطبوعة ما يشبهها، وما أثبتناه من "ظ".
٤ وذلك قوله في البقرة: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ "البقرة: ٥، ٦".
٥ في المطبوعة: "آخر آل عمران".


الصفحة التالية
Icon