تقديمها عليها في مصحف ابن مسعود؛ لأن المذكور هنا ذيل ما في آل عمران وتابعه ولاحقه١، فكانت بالتأخير أنسب.
ومنها: أنه [لما] ٢ ذكر في آل عمران قصة خلق عيسى بلا أب، وأقيمت له الحجة بآدم، وفي ذلك تبرئة لأمه، خلافًا لما زعم اليهود، وتقريرًا لعبوديته، خلافًا لما ادعته النصارى، وذكر في هذه السورة الرد على الفريقين معًا؛ فرد على اليهود بقوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ "١٥٦"، وعلى النصارى بقوله: ﴿لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ إلى قوله: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾ "١٧١، ١٧٢".
ومنها: أنه لما ذكر في آل عمران: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ "آل عمران: ٥٥"، ورد هنا على من زعم قتله بقوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ﴾ "١٥٧، ١٥٨".
ومنها: أنه لما قال في آل عمران في المتشابه٣: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ "آل عمران: ٧"، قال هنا: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ "١٦٢" الآية.
ومنها: أنه لما قال في آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ

١ في المطبوعة: "ولاحقه وتابعه"، والمثبت من "ظ".
٢ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٣ المتشابه في القرآن يأتي على معنيين؛ أولهما: المتماثل في اللفظ وهو غير مراد هنا، والثاني: ما جاء مؤيدًا للواجبات بأصله، رادًّا بوصفه، فتشابه على السامع علمه من حيث خالف حجة العقل من وجه دون وجه "الأمد الأقصى، ورقة ١٢٠أ".


الصفحة التالية
Icon