والنبوة، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية١.
وقد ختمت المائدة بصفة القدرة، كما افتتحت النساء بذلك٢.
وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء٣، فكأنهما سورة واحدة، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى.
ولما وقع في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ "النساء: ١٠٥" الآيات، وكانت٤ نازلة في قصة سارق سرق درعًا٥، فصل في سورة المائدة أحكام السراق والخائنين.
ولما ذكر في سورة النساء أنه أنزل إليك الكتاب لتحكم بين الناس، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله حتى بين الكفار، وكرر قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ "٤٤، ٤٥، ٤٦".
فانظر إلى هذه السور الأربع المدنيات، وحسن ترتيبها، وتلاحمها، وتناسقها، وتلازمها.
٢ ختام المائدة قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ "١٢٠"، وأول النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ "النساء: ١" الآية، وهو دليل القدرة.
٣ بدء الخلق في أول النساء قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ "النساء: ١" الآية، والمنتهى في ختام المائدة قوله: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ "١١٩" الآية.
٤ في المطبوعة: "فكانت"، والمثبت من "ظ".
٥ قصة الدرع أخرجها ابن كثير في التفسير "٢/ ٣٥٨، ٣٥٩"، وعزاها إلى ابن مردويه، من طريق عطية العوفي، ورواه الترمذي في حديث طويل فيه سرقة طعام وسلاح "٨/ ٣٩٥-٣٩٩" بتحفة الأحوذي، وأخرجه الحاكم في المستدرك "٤/ ٣٨٥-٣٨٨". وانظر: إرشاد الرحمن في المتشابه والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وتجويد القرآن للأجهوري، ورقة: ١٣٦أ، ب لزيادة التفاصيل.