عنده في ذلك توقيف، فإنه استند إلى اجتهاد، وأنه قرن بين الأنفال وبراءة لكونها شبيهة بقصتها في اشتمال كل منهما على [الأمر] ١ القتال، ونبذ العهود، وهذا وجه بيِّن المناسبة جلي، فرضي الله عن الصحابة، ما أدق أفهامهم! وأجزل آراءهم! وأعظم أحلامهم! ٢
وأقول: يتم بيان مقصد عثمان -رضي الله عنه- في ذلك بأمور فتح الله بها:
الأول: أنه جعل الأنفال قبل براءة مع قصرها؛ لكونها مشتملة على البسملة، فقدمها لتكون كقطعة٣منها، وتكون براءة بخلوها منها كتتمتها وبقيتها؛ ولهذا قال جماعة من السلف: إن الأنفال وبراءة سورة واحدة، لا سورتان٤.
الثاني: أنه وضع براءة هنا لمناسبة الطوال؛ فإنه ليس في القرآن بعد الأعراف أنسب ليونس طولًا منها٥، وذلك كافٍ في المناسبة.
الثالث: أنه خلَّل بالسورتين [الأنفال وبراءة] أثناء السبع الطوال المعلوم ترتيبها في العصر الأول؛ للإشارة إلى أن ذلك أمر صادر لا عن توقيف، وإلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ قبل أن يبين محلهما، فوضعا [هنا] ٦ كالموضع المستعار بين السبع الطوال، بخلاف ما لو وضعتا بعد السبع الطوال، فإنه كان يوهم أن ذلك محلهما
٢ في "ظ": "أخلاقهم".
٣ في المطبوعة: "لقطة"، والمثبت من "ظ".
٤ أخرجه أبو الشيخ عن أبي روق، وبن أبي حاتم عن سفيان، وبن أشتة عن ابن لهيعة "الإتقان: ١/ ٢٢٥".
٥ في "ظ": "وأنه ليس في القرآن بعد الست السابقة سورة أطول منها".
٦ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".