القرآن -وهم كُثُر- فلم تتوفر فيهم هذه الأمور كلها، لا سيما وأن الصحابة تفرَّقوا في الأمصار، وحفظ بعضهم عن بعض، ويكفي دليلًا على ذلك أن الذين قُتِلُوا في بئر معونة من الصحابة كان يقال لهم القرّاء، وكانوا سبعين رجلًا كما في الصحيح.
قال القرطبي: "قد قُتشلَ يوم اليمامة سبعون من القراء، وقُتِلَ في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ببئر معونة مثل هذا العدد"١.
وهذا هو ما فهمه العلماء وأولوا به الأحاديث الدالة على حصر الحفاظ في السبعة المذكورين.
"إذ يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء السبعة أنهم هم الذين جمعوا القرآن كله بجميع وجوهه التي نزل عليها.
أو أنهم هم الذين تلقَّوْه من فم النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير واسطة، بخلاف غيرهم ممن عرف حالهم، فحصر الراوي من علمه منهم، فأخبر به.
أو أنهم هم الذين تصدَّوْا لإلقائه وتعليمه، وخفي حال غيرهم عَمَّنْ عرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
أو أنهم هم الذين جمعوه كتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب.
أو المراد أنهم سمعوا له وأطاعوا، فجمعوا بين حفظه والعمل به.
وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلًا أتى أبا الدرداء، فقال: إن ابني جمع القرآن، فقال: "اللهم غفرًا، إنما جَمَعَ القرآن من سمع له وأطاع".
هذه بعض الأجوبة التي ذكرها السيوطي في الإتقان٢ نقلًا عن القاضي أبي بكر الباقلاني، ولا يخلو بعضها عن تكلُّفٍ كما قال ابن حجر.
وأصحّ هذه الأقوال ما قدَّمناه من أن هؤلاء المذكورين في روايات البخاري هم الذين اشتهروا بين الناس بحفظ القرآن كله لكثرة تلاوتهم له، وتصديهم لتعليمه، ولكثرة مَنْ روى عنهم، وغير ذلك من الأسباب.

١ الإتقان ج١ ص٢٤٥ط، الهيئة.
٢ ج١ ص٢٤٦، ٢٤٧.


الصفحة التالية
Icon