وكان جبريل يُعَارِضُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن كل سنة في ليالي رمضان، كما جاء في رواية البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسَلَة".
وكان الصحابة يعرضون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لديهم من القرآن حفظًا وكتابة كذلك.
ولم تكن هذه الكتابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مجتمعة في مصحف عام، بل عند هذا ما ليس عند ذاك، وقد نقل العلماء أن نفرًا منهم: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وذكر العلماء أن زيد بن ثابت كان عرضه متأخرًا عن الجميع.
وقُبِضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن محفوظ في الصدور والسطور، ولكن لم يُجْمَعْ في مصحف عام؛ لأن الوحي كان ينزل، فلو جُمِعَ في مصحف واحد لأدَّى ذلك إلى مشقَّة كبيرة في ترتيبه؛ إذ لم يكن ترتيب الكتابة وفق ترتيب النزول، بل كانوا يكتبون الآية بعد نزولها؛ حيث يشير -صلى الله عليه وسلم- إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا، ولو جُمِعَ القرآن كله بين دفتي مصحف واحد لأدَّى هذا إلى التغيير كُلَّمَا نزل شيء من الوحي.
"قال الزركشي: "وإنما لم يُكْتَب في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مصحف لئلَّا يفضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كَمُلَ نزول القرآن بموته -صلى الله عليه وسلم".
وبهذا يفسر ما روي عن زيد بن ثابت، قال: "قُبِضَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن القرآن جُمِعَ في شيء".
أي: لم يكن جُمِعَ مرتَّبَ الآيات والسور في مصحف واحد.