قبل أن تخرج بها الأصوات، واللفظ هو قالب تلك المعاني، وهي التي نسمعها من الأصوات.
فقولنا: القرآن كلام الله، قد يُرَاد به الكلام النفسيّ، وقد يُرَادُ به الكلام اللفظي -ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم- فالمتكلمون يطلقون كلام الله على الكلام النفسي فقط، ويقررون أنه كلام قديم غير مخلوق، فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث، وتجرده عن الحروف اللفظية المتعاقبة المستلزمة لتجدد الزمان والحدوث.
والأصوليون والفقهاء اهتمُّوا بإطلاق القرآن على الكلام اللفظي؛ لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام، وهو لا يكون إلّا بألفاظ، وكذلك علماء اللغة العربية يهتمون بالكلام اللفظي؛ لأن عنايتهم بالإعجاز، وطريقة الألفاظ"١.
وهذا التعريف جمع أشهر خصائص القرآن وأهم مقاصده.
وكان بعضها كافيًا في التعريف، فلو قالوا: القرآن كلام الله المعجز.
أو قالوا: هو كلام الله المُتعبَّد بتلاوته.
أو قالوا: هو كلام الله المكتوب في المصاحف، لكان وافيًا بالمقصود في تحديد ما هو قرآن من غيره، لكنهم أطنبوا في التعريف مبالغة في التوضيح، ورغبةً في ذكر أهم خصائصه ومقاصده، فهو ليس تعريفًا بالمعنى الاصطلاحي الذي يُرَاعَى فيه الاختصار، والاقتصار على ما هو جامع مانع.
ومن هذا التعريق يُعْرَفُ الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي، على ما سيأتي بيانه قريبًا -إن شاء الله تعالى.
ومن خلال هذا التعريق أيضًا يُعْرَفُ الفرق بين القراءة المتواترة وغير المتواترة، فما تواتر منها فهو قرآن يُتْلَى ويتعبَّد بتلاوته.
وما هو غير متواتر لا يُتْلَى ولا يُتَعَبَّد بتلاوته، ولا يُسَمَّى قرآنًا، وإن جاز الاحتجاج بها في تصحيح لغة على لغة، وترجيح مذهب فقهي على آخر، بالشروط التي ذكرها الفقهاء في كتهبم.
هذا -ويطلق لفظ القرآن على الكتاب المُنزَّل كله وعلى بعضه.

١ انظر "اللآليء" للدكتور موسى شاهين لاشين ص٩.


الصفحة التالية
Icon