وانبرى فريق كبير من العلماء إلى ضبط هذه المصاحف وإقامتها على نحو ما جاء في المصحف الإمام الذي وجِّهَ إليهم، وهكذا قامت المصاحف المنسوخة من الأمهات مقام الأصول؛ لأنها نسخة منقوله عنها.
فروى الأئمة عن المصاحف العثمانية -أصولًا وفروعًا- طريقة رسم الكلمات.
وما أن وصلت تلك الرواية إلى عصر انتشار تدوين العلوم حتى سارع العلماء -في وقت مبكر- إلى تسجيل تلك الروايات في كتبٍ كانت أساسًا لحفظ صور الكلمات في المصاحف، ومرجعًا -إلى جانب المصاحف المنسوخة- لمن أراد أن ينسخ مصحفًا.
وقد ظهر في كل مَصْرٍ من الأمصار إمامٌ روى ما ورد في مصحف بلده، إذ إن أئمة القراءة كانوا يروون كيفية رسم الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءة، وتوفَّرت روايات رسوم مصاحف الأمصار لدى العلماء في وقت مبكر فظهرت لهم مؤلفات سجلت لهم في تراجمهم، ثم تتابع الغيث من بعدهم، فظهرت مؤلفات كثيرة في هذا الفن، نذكر منها على سبيل المثال:
١- كتاب "اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق".
٢- "مقطوع القرآن وموصوله" كلها لإمام الشام عبد الله بن عامر اليحصبي، ت١١٨هـ، ذكرهما ابن النديم في الفهرست١.
٣- "اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة" للكسائي، "ت ١٨٩هـ"، ذكره ابن النديم أيضًا في الفهرست٢.
٤، ٥- كتاب "المحرر"، وكتاب "علم المصاحف"، كلاهما لأبي بكر محمد بن عبد الله بن أشتة الأصفهاني "ت بمصر ٣٦٠هـ"، وهو كتاب ينقل عنه السيوطي وغيره كثيرًا.
٦- "هجاء المصاحف" لمكي بن أبي طالب القيس الأندلسي "ت٤٣٧ هـ"، ذكره ياقوت٣ وغيره.
٢ ص٣٦.
٣ انظر معجم الأدباء ج١٩ ص١٧٠.