وقد أجمع العلماء على مثل ما ذهب إليه الإمام مالك، فقد قال الداني بعد أن روى رأي مالك السابق: "ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: تحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك١.
وقد ذكر أحمد بن المبارك في الإبريز٢ أن هذا هو مذهب الأئمة الأربعة، ونقل ذلك عن الجعبري من العقيلة.
قال البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين في شعب الإيمان: من كتب مصحفًا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغيِّر مما كتبوا شيئًا، فإنهم كانوا أكثر علمًا، وأصدق قلبًا ولسانًا، وأعظم أمانة منَّا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكًا عليهم٣.
ثم إن هذا الرسم سُنَّةٌ من سنن الخلفاء الراشدين المهديين الذين أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأتباعها، بقوله: "عليكم بسنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عُضُّوا عليها بالنواجذ" ٤.
ومضى التابعون على ما نهج عليه السلف الصالح في كتابة المصاحف من غير تبديل لكلمة أو تغيير لحرف، فوجب علينا أن ننهج نهجهم في كتابة المصاحف أسوة بهم، وتمسُّكًا بهذا الرسم كتراثٍ ديني لا ينبغي أن يندثر.
هذا، وقد ذهب أبو بكر الباقلاني في "الانتصار" إلى جواز كتابة المصاحف بالخط الهجائي، لعدم وجود ما يدل على وجوب كتابته بالرسم العثماني من كتاب أو سُنَّة، فقال -رحمه الله- بعد كلام طويل: "وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وخطه لا يجوز إلّا على وجه مخصوص، وحدٍّ محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نصِّ السنة ما يوجب ذلك

١ انظر البرهان للزركشي ج١ ص٣٧٩، والإتقان للسيوطي ج٤ ص١٤٦.
٢ راجع ص٦٤ ط١، المطبعة الأزهرية.
٣ انظر الإتقان ج٤ ص١٤٦.
٤ الحديث رواه داود في السنة٥، والترمذي في العلم١٦.


الصفحة التالية
Icon