ولو كان هذا عيبًا يرجع على القرآن لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التهجي، فقد كُتِبَ في الإمام: "إن هذان لساحران" بحذف ألف التثنية.
وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: "قال رجلن" و "آخرن يقومان مقامهما".
وكتب كتاب المصحف: الصلوة، والزكوة، والحيوية، بالواو، واتبعناهم في هذه الحروف خاصَّة على التيمن بهم.
ونحن لا نكتب "القطاة، والقناة، والفلاة" إلّا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه.
وكتبوا "الربو" بالواو، وكتبوا "فمال الذين كفروا" فمال بلام منفردة.
وكتبوا "ولقد جاءك من نبأي المرسلين" بالياء "أو من وراءي حجاب" بالياء في الحرفين جميعًا، كأنهما مضافان، ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة.
وكتبوا "أم لهم شركوا" و"فقال الضُعَفَؤُا" بواو، ولا ألف قبلها.
وكتبوا: "أو أن نفعل أموالنا ما نشاؤ" بواو بعد الألف، وفي موضع آخر "ما نشاء" بغير واو، ولا فرق بينهما.
وكتبوا "أو لا أذبحنه أو ليأتيتي بسلطان مبين" بزيادة ألف.
وكذلك "ولا أوضعوا خلالكم" بزيادة ألف بعد لام ألف.
وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه"١.
فأنت ترى أنه قد ردَّ مخالفة الرسم للخط الهجائي إلى أحد احتمالين: إما أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها، أو تكون غلطًا من الكاتب.
فهو يجوز الغلط على الصحابة في كتابة المصحف، والغلط جائز على غير المعصوم -صلى الله عليه وسلم، لكنه بعيد أن يخطئ هؤلاء الأخيار في كتابة كلام الله -عز وجل، فلا بُدَّ أن يكون لكتابتهم المصاحف على هذا الرسم حِكَمٌ خفيت علينا، أو خفي بعضها وعُلِمَ بعضها.

١ تأويل مشكل القرآن ص٥٦-٥٨.


الصفحة التالية
Icon