من هؤلاء: أبو العباس المراكشي في كتابه الذي ألَّفَه في الكشف عن الأسرار التي يتضمنها الرسم العثماني، والذي سماه الزركشي والسيوطي١ "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل"، وسمَّاه القسطلاني٢ "الدليل من مرسوم التنزيل".
وإذا كنَّا لم نطَّلِعْ على نسخة من هذا الكتاب، فإن الزركشي والقسطلاني قد أشارا إلى منهجه في تعليل مخالفة الرسم للخط الإملائي، وذكرا بعض الأمثلة لبيان هذا المنهج بصورة تزيل خفاءه.
ويقوم منهج أبي العباس المراكشي على أن الرسوم إنما اختلفت أحوالها في الخَطِّ بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها، وكذلك التنبيه على العوالم الغائب والشاهد، ومراتب الوجود والمقامات.
وهذا المنهج لا يسعفه دليل؛ لأنه مبنيٌّ على أساس أن المعاني الإضافية تعبر عنها حروف هجائية غير منطوقة، مع أن الأساس الأول الذي تنبنى عليه الكتابة هو الأصوات المسموعة للكلمات، وليست المعاني المخبوءة فيها.
هذا إلى جانب أن تلك التعليلات التي يوردها لاختلاف صور هجاء بعض الكلمات توقع -في أحيان كثيرة- في تناقض حاد.
"فلم يكن منهج أبي العباس المراكشي إذن قائمًا على أساسٍ من حقائق العلم ومعرفة التاريخ، بل إن كل ما قاله هو نتيجة تأمُّل ذاتي غامض، عبَّر عنه بمصطلحات صوفية وفلسفية، ومنطقية هي الأخرى غامضة، وأن نتيجة واحدة صحيحة يقود إليها الدليل العلمي الواضح خير وأجدى في فهم المشكلة من كل ما قاله المراكشي، ورددته من ورائه أجيال من العلماء والدارسين"٣.

١ انظر البرهان ج١ ص٣٨٠، والإتقان ج٤ ص١٤٥.
٢ لطائف الإشارات ج١ ص٢٨٥.
٣ "رسم المصحف" ص٢٣٠.

٤- تفسير الزيادة والحذف باحتمال القراءات:
ذهب بعض الباحثين إلى أن المصحف العثماني كُتِبَ ليشتمل على الأحرف السبعة، أو أنه جاء شاملًا لما يحتمله رسمه منها.


الصفحة التالية
Icon