وبهذا المذهب أخذ ابن تيمية في فتاويه فقال: "إذا كان قد سُوِّغَ لهم أن يقرأوه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ مع تنوع الأحرف في الرسم؛ فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك من الرسم، وتنوعه في اللفظ أَوْلَى وأَحْرَى، وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كُتِبَت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين؛ كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، وتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلُوَّيْن، شبيهًا بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين.
فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلقَّوْا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا"١.
١ راجع المجلد الأول ص٣١٩.
دواعي النقط والشكل:
لما اختلط العرب بالعجم شاع اللحن في الكلام العربي، وشاع اللحن أيضًا في القرآن الكريم بين الصبيان والمولَّدين، فاضطر المسلمون أمام هذه الظاهرة الخطيرة أن يضبطوا المصاحف بالنقط والشكل حتى يصحِّحَ الناس قراءتهم على ضوئها.
"فقد روي أن زياد ابن أبيه والي البصرة في حوالي سنة ٤٨ هـ، طلب من أبي الأسود الدؤلي أن يجعل للناس علامات تساعدهم على القراءة الصحيحة لكتاب الله، فتباطأ أبو الأسود، حتى سمع قارئًا يقرأ قوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾.
فقرأها يجرُّ اللام في كلمة "رسوله"، فأفزع هذا اللحن أبا الأسود، وقال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله، ثم ذهب إلى زياد، وقال له: قد أجببتك، وانتهى إلى جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطة تحت الحرف، وجعل علامة الضمة نقطة على جانب الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين.
والجدير بالذكر أن أبا الأسود الدؤلي لم يضع شكلًا لكل حرف، وإنما شكَّل الحرف الأخير فقط من كل كلمة.