ثم جاء علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، فلاحظ أن العُجْمَة تكاد تحفيف على اللغة العربية، وسمع بعض الناس يلحنون في اللسان العربي، فأمر أبا الأسود الدؤليّ أن يضع بعض القواعد لحماية لغة القرآن من هذا العبث والخلل، ووضع له المنهج، وقال له: انح للناس على هذا النحو.
وبذلك يكون -رضي الله عنه- أول مَنْ وضع علم النحو، وتبعه فيما بعد علم إعراب القرآن، وهو علم يعين المفسِّر على فهم كتاب الله تعالى كما هو معلوم، والإعراب فرع المعنى كما يقولون.
ومضى المسلمون بعد الخلافة الرشيدة في نشر علوم القرآن، بالمشافهة والتلقين، حتى جاء عهد التدوين بعد المائة الأولى من الهجرة، فأُلِّفَت كتب في أنواع شتَّى من علوم القرآن، واتجهت الهمم قبل كل شيء إلى التفسير بوصفه رأس العلوم وعمدتها، لما فيه من التعرُّضِ لها في كثير من المناسبات عند شرح الكتاب العزيز.
ومن أوائل الكاتبين في التفسير: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، وهم من علماء القرن الثاني.
ثم تلاهم ابن جرير الطبري المتوفَّى سنة ٣١٠هـ، وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها، لأنه أوَّل من عرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، كما عرض للإعراب والاستنباط.
وبقيت العناية بالتفسير قائمة إلى عصرنا هذا. أما علوم القرآن الأخرى، ففي مقدمة المؤلفين فيها: على بن المديني شيخ البخاري، إذ ألَّفَ في أسباب النزول، وأبو عبيد القاسم بن سلام، إذ كتب في الناسخ والمنسوخ، وكلاهما من علماء القرن الثالث.
وفي مقدمة من ألَّفَ في غريب القرآن: أبو بكر السجستاني، وهو من علماء القرن الرابع.


الصفحة التالية
Icon