وكذلك الشأن في الروايات التي وردت في سبب نزول خواتيم سورة النحل، فإنها ليست في درجة سواء، والأخذ بأرجحها أَوْلَى من القول بتعدد النزول وتكرره"١ أ. هـ.
وهذا صحيح؛ لأن السُّنَّة الصحيحة لا تَعَارُضَ فيها، وإن بدا لآحاد الناس ما يوهم التعارض، فهو من قِبَلِ أنفسهم، وذلك لقلة علمهم بوسائل الترجيح، وضعف أفهامهم لفحوى المتون.
والجمع بين الروايات الصحيحة هو ما ينبغي المصير إليه متى أمكن ذلك، بشرط أن تكون علة الجمع مقبولة عند أكثر العلماء.
فإن لم تكن هناك علة مقبولة تجمع بين الروايات الصحيحة، فالترجيح أمر لا بُدَّ منه.
قال الشاطبي في الموافقات٢: "إن كل مَنْ تحقَّقَ بأصول الشريعة فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض، كما أن كل مَنْ حقَّقَ مناط المسائل فلا يكاد يقف في متشابه؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها ألبتة، فالمتحقِّقُ بها متحقِّقٌ بما في الأمر، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما؛ بحيث وجب عليهم الوقوف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ، أمكن التعارض بين الأدلة عندهم" أ. هـ.
٢ ج٤ ص٢٩٤.
الخلاصة
مدخل
...
الخلاصة:
والخلاصة أنه إذا تعدَّدَت الروايات في سبب نزول الآية أو الآيات، وكانت كلها صحيحة صريحة في ذكر السبب، أي: جاءت على الصيغة التي تعتبر نصًّا في السببية على ما قدَّمْنَاه، فإنه يُجْمَعُ بينها إن أمكن الجمع، بأن تُحْمَلَ على تعدُّد الأسباب في النزول ما دامت هذه الأسباب متقاربة، فإن لم يمكن الجمع بينها بحثنا عن مرجِعٍ لإحداها، والمرجّحات كثيرة يعرفها أهل الاجتهاد والنظر.