العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص المسبب
...
العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟:
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب الجمهور إلى القول بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذهب آخرون إلى أن العبرة بخصوص اللفظ لا بعموم السبب، ومعنى ذلك عندهم: أن لفظ الآية يكون مقصورًا على سببه.
أما ما يماثله فلا يُعْلَمُ حكمه من نصِّ الآية، وإنما يُعْلَمُ بدليلٍ آخر، وهو القياس المستوفي للشروط المقررة عند علماء الأصول، وهذا الخلاف القائم بين الفريقين محله إذا لم تقم قرينة على تخصيص لفظ الآية العام بسبب نزوله، أما إذا قامت تلك القرينة، فإن الحكم يكون مقصورًا على سببه لا محالة، بإجماع العلماء.
كما يجب أن نلاحظ أيضًا أن حكم النصِّ العام الوارد على سبب يتعدَّى عند هؤلاء وهؤلاء إلى أفراد غير السبب، بيد أن الجمهور يقولون: إنه يتناولهم بهذا النصِّ نفسه، وغير الجمهور يقولون: إنه لا يتناولهم إلّا قياسًا، أو بنصٍّ آخر كالحديث المعروف: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة".
وإلى هذا المعنى يشير ابن تيمية بقوله: "وقد يجئ كثيرًا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصًا، كقوله: إن آية الظهار نزلت في امراة قيس بن ثابت، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله، وإن آية قوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ ١.
نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق.
والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يخص سببه؟ لم يقل أحدٌ إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعيَّن، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعمّ ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب

١ المائدة: ٤٩.


الصفحة التالية
Icon