﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ ؟
فما أرى على أحدٍ جناحًا أن لا يطوَّفَ بهما؟ فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أوَّلتها كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوَّف بهما، ولكنها إنما أنزلت لأنَّ الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلِّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهلَّ لها يتحرَّج أن يطوَّف بالصفا والمروة في الإسلام، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية.
قالت عائشة: ثم قد بَيَّنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما" أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
"ج" ما جاء في سبب نزول قوله تعالى من سورة المائدة:
﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ١.
فهذه الآية إذا قطعت عن السبب الذي نزلت عليه لا يفهم مراد الله منها، لهذا تأوَّلها جماعة على غير وجهها، فوقعوا في حرج عظيم، وأباحوا لأنفسهم شرب الخمر وهي أم الكبائر.
"روي أنَّ عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين فقدم الجاردو على عمر، فقال: إن قدامة شرب فسكر، فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ قال: الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول، وذكر الحديث، فقال عمر: يا قدامة إني جالدك! قال: والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني، قال عمر: ولم؟ قال لأن الله يقول: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ﴾ إلخ.
فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرَّم الله.

١ آية ٩٣.


الصفحة التالية
Icon