١- فمنهم من قال: إن المحكم هو الواضح الدلالة، الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، أما المتشابه: فهو الخفي الذي لا يُدْرَكُ معناه عقلًا ولا نقلًا، وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه كقيام الساعة، والحروف المقطَّعة في أوائل السور، وقد عزا الألوسي الرأي إلى السادة الحنفية.
٢- ومنهم من قال: إن المحكم ما عُرِفَ المراد منه، إما بالظهور وإما بالتأويل، أما المتشابه: فهو ما استأثر الله تعالى بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدجال، والحروف المقطَّعة في أوائل السور، ويُنْسَبُ هذا القول إلى أهل السُّنَّة على أنه هو المختار عندهم.
٣- ومنهم من قال: إن المحكم ما لا يحتمل إلّا وجهًا واحدًا من التأويل، والمتشابه: ما احتمل أوجهًا، ويعزى هذا الرأي إلى ابن عباس، ويجري عليه أكثر الأصوليين.
٤- ومنهم من قال: إن المحكم ما استقلَّ بنفسه ولم يحتاج إلى بيان، والمتشابه: هو الذي لا يستقبل بنفسه، بل يحتاج إلى بيان، فتارة يبين بكذا، وتارة يبين بكذا؛ لحصول الاختلاف في تأويله، ويحكى هذا القول عن الإمام أحمد -رضي الله عنه.
٥- ومنهم من قال: إن المحكم ما كانت دلالته راجحة، وهو النص والظاهر، أما المتشابه: فما كانت دلالته غير راجحة، وهو المجمَلُ والمؤول والمشكَل.
ويعزى هذا الرأي إلى الإمام الرازي، واختاره كثير من المحققين.
"وقد بسطه الإمام فقال ما خلاصته: اللفظ الذي جُعِلَ موضوعًا لمعنًى، إمَّا ألَّا يكون محتملًا لغيره، أو يكون محتملًا لغيره، الأول النص، والثاني: إما أن يكون احتماله لأحد المعاني راجحًا، ولغيره مرجوحًا، وإما أن يكون احتماله لهما بالسوية، واللفظ بالنسبة للمعنى الراجح يُسَمَّى ظاهرًا، وبالنسبة للمعنى المرجوح يُسَمَّى مؤولًا، وبالنسبة للمعنيين المتساويين أو المعاني المتساوية يُسَمَّى مشتركًا، وبالنسبة لأحدهما على التعيين يُسَمَّى مجملًا، وقد يُسَمَّى اللفظ مشكلًا إذا كان معناه الراجح باطلًا، ومعناه المرجوح حقًّا. إذا عرفت هذا فالمحكَمُ ما كانت دلالته راجحة، وهو النصُّ والظاهر، لاشتراكهما في حصول الترجيح، إلّا أن النصَّ راجح مانع من الغير، والظاهر راجح غير مانع منه.


الصفحة التالية
Icon