الراجح:
والراجح من الأقوال ما قاله الراغب في مفرداته، فقد أجاد وأفاد، وحقَّقَ المراد.
قال -رحمه الله تعالى: "والمتشابه من القرآن ما أُشْكِلَ تفسيره لمشابهته بغيره، إمَّا من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.
فقال الفقهاء: والمتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده، وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب: محكَمٌ على الإطلاق، ومتشابِهٌ على الإطلاق، ومحكَمٌ من وجهٍ ومتشابِهٌ من وجهٍ.
فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب:
متشابه من جهة اللفظ فقط، ومتشابه من جهة المعنى فقط، ومتشابه من جهتهما.
والمتشابه من جهة اللفظ ضربان: أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة، وذلك إما من جهة غرابته نحو "الأَبُّ"١ و "يزفون"٢، وإما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد والعين٣.
والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركَّب، وذلك ثلاثة أضرب:
ضرب لاختصار الكلام نحو: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ٤.

١ هو نبات ترعاه الإبل، ولما كان لفظًا غريبًا خفي على عمر -رضي الله عنه، إذ قال: عرفنا ما الفاكهة، فما الأَبُّ؟ الحديث بطوله أخرجه ابن جرير الطبري عند تفسير الآية.
٢ الزفيف: هو الإسراع الشديد في خِفَّة، مأخوذ من زَف النعامة، وهو هزّ جناحيها بشدَّة عند إسراعها من وجه خطر يداهمها.
٣ فإن اليد تطلق على العضو، وعلى القدرة، وعلى النعمة، والعين تطلق على عضو الإبصار والجاسوس، والذهب والفضة، وعين الماء، وغير ذلك.
٤ المراد باليتامى في الآية: اليتيمات، فلما جاء اللفظ عامًّا أُشْكِلَ على بعض الصحابة ارتباط الشرط بالجواب، فأخبرتهم عائشة -رضي الله عنها- بأن المراد به ما ذكرنا، وقد تَقَدَّمَ حديثها في أسباب النزول.


الصفحة التالية
Icon