انتهى كلام الراغب، فأنهى إلينا به منتهى ما كنا نبتغيه في تفسير المتشابه، وتمييزه عن المحكم بتعريفٍ جامع لأطرافه ومسائله، مانع من دخول غيره فيه.
فقد عرَّفه بالحدِّ والرسم١ والتقسيم، فلم يترك الباحث فيه على ظمأٍ حتى ارتوى.
وقريب منه قول الإمام الرازي ومن نحا نحوه.
وما ذكره الراغب، والرازي من تقسيمات وتفريعات سيأتي أكثره إن شاء الله تعالى، في بحوث مستقلة كما وعدتك بذلك.
نسبة المتشابه من المحكم في الشريعة:
اعلم أن المتشابه وإن كثرت أقسامه وفروعه بالنسبة للمحكَم من نصوص الشريعة قليل، وذلك لأمور:
أحدها: النصّ الصريح على أن الآيات المحكمات أمّ الكتاب، وذلك في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ ٢.
وأم الشيء: معظمه وعامته، والأم أيضًا الأصل والعماد، كما في القاموس، ولذلك قيل لمكة: "أم القرى"؛ لأن الأرض دحيت من تحتها.
فإذا كان ذلك كذلك، فقوله تعالى: ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات﴾ إنما يُرَادُ بها القليل.
والثاني: أن المتشابه لو كان كثيرًا لكان الالتباس والإشكال كثيرًا، وعند ذلك لا يطلق على القرآن أنه بيان وهدى.
وقد نزل القرآن ليرفع الاختلاف الواقع بين الناس، والمشكَل الملتبس إنما هو إشكال وحيرة لا بيان وهدى، ولولا أن الدليل أثبت أنَّ فيه متشابهًا لم يصح القول به، وما جاء فيه من ذلك المتشابه الذي لم يتعلَّق به حكمٌ بالمكلَّفين من جهته، زائد على الإيمان به، يجب أن نقرَّه على ما جاء، ولا نخوض في تأويله.

١ الوصف.
٢ آل عمران: ٧.


الصفحة التالية
Icon