وذلك نعلمه ونؤمن به، وندرك أن الغائب أعظم من الشاهد، وما في الآخرة يمتاز عَمَّا في الدنيا، ولكن حقيقة هذا الامتياز غير معلومة لنا، وهي من التأويل الذي لا يعلمه إلّا الله١.
وأما التأويل المذموم فهو: صَرْفُ اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به، يكون قويًّا عند المؤول، ضعيفًا عند أهل الحق، وهو ما لجأ إليه المعتزلة وكثير من الأشاعرة مبالغةً منهم في تنزيه الله عن مماثلته للمخلوقين كما يزعمون.
وهو -لعمري- زعم خاطئ أوقعهم في مثل ما هربوا منه أو أشد، كما تقدَّم بيانه من كلام الطبري في تفسير قوله -جل شأنه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾.
وهم أيضًا عندما يفسِّرون اليد بالقدرة مثلًا ليفروا من إثبات اليد للخالق -جل شأنه- لكونها في المخلوقين، يكونون قد وقعوا فعلًا فيما فروا منه، فإن للعباد أيضًا قدرة، وإن لم تكن كقدرة الله تعالى، لكنه تشبيه على أي حال، وذلك تناقض ظاهر؛ لأنه يلزمهم في المعنى الذي أثبتوه نظير ما زعموا أنه يلزم في المعنى الذي نفوه.
فلا يجوز لهم أن يقولوا: إن هذا اللفظ مصروف عن الاحتمال المرجوح إلى الاحتمال الراجح؛ لأن الاحتمال الراجح هو الوقوف عند النصِّ، والإيمان بما فيه من إثبات أو نفي ورُدَّ متشابهه إلى محكمه، كما هو مذهب السلف، وهو الإلزم والأقوم والأسلم -والله أعلم.