فهذا مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يُحْتَجُّ بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذه المسلك -إن كان صحيحًا- أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر قائم وأعظم، والله أعلم" أ. هـ١.
٦- ومنهم من قال: إن هذه الحروف أدوات تنبيه على غير ما ألَّف العرب مثل "ألا، وأما، والهاء من هذا وهؤلاء".
وقد جاءت على هذا النحو مبالغة في جلب الانتباه، وقرع الأسماع، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمدُّ بها صوته، وقد كان المشركون إذا رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس يتلو القرآن فروا منه، وانفضُّوا من حوله، فإذا ما قرأ -صلى الله عليه وسلم هذه الحروف بصوته الندي، أخذ عليهم جلال قراءته كل مأخذ، فألقوا إليه أسماعهم إصغاءً لما يقول، فإذا بهم يسمعون ما قد فروا منه، وينصتون إلى ما قد لغَوْا فيه، ويدركون من سماع القرآن ما يريده الله منهم.
وقد ضعَّف ابن كثير في تفسيره٢ هذا الرأي بقوله: "لو أنه كان كذلك لكان ذلك في جميع السور. ولو كان كذلك أيضًا لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم، سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك، ثم إن هذه السور والتي تليها أعني: البقرة وآل عمران، مدنيتان ليستا خطابًا للمشركين، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه".
وما قاله ابن كثير -رحمه الله- ليس بلازم؛ لأن هذه الفواتح جاءت للتنبيه على أصول العقيدة، وما سواها داخل فيها، فإذا استمعوا إلى هذه الأصول التي كانوا يفرون من سماعها وتدبروها، وفهموا محتواها، فهموا ما هو داخل فيها، ومندرج تحتها.
ولهذا نجد هذه الفواتح قد وليها الحديث عن نزول القرآن، ونفي الريب عنهم، والحديث عن التوحيد وقواعده، وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم، والرسالة، وعن الإيمان والمؤمنين، وعن البعث والوعد والوعيد.
٢ ج١ ص٥٩.