أي: إن هذا القرآن مؤلَّفٌ من جنس هذه الحروف، فأتوا بشيء من مثله إن استطعتم، فإن لم تفعلوا -ولن تفعلوا- فآمنوا بأنه من عند الله، واجعلوا لأنفسكم وقايةً من عذاب الله بالفرار من الكفر والإلحاد.
وقد رجَّحَ ابن كثير هذا القول، وارتضاه لما علم من أن كل سورة افتتحت بهذه الحروف قد انتصر فيها القرآن، وجاء فيها بيان إعجازه وعظمته.
وهذا القول هو الراجح حقًّا إن شاء الله تعالى.
والأرجح منه القول بأنها أدوات تنبيه جاءت على غير ما أَلِفَ العرب للحكمة التي سبق ذكرها، فهذا القول أجدر بالقبول من الذي قبله؛ لأن هذه الفواتح جاءت للتنبيه على ما يليها من الأصول العامة التي تقدَّمَ ذكرها، بخلاف القول السابق الذي ارتضاه ابن كثير؛ لأن سورة العنكبوت افتتحت بثلاثة حروف مقَطَّعة ولم يعقبها الانتصار للقرآن، وإنما جاء بعدها حديث عن الإيمان والمؤمنين، والوعد والوعيد، وغير ذلك.
وبعد. فإن هذا القول، وإن كان هو الراجح عندي، فإنما يكون ذلك كذلك إن أقحمت نفسي في جملة المؤولين، أو افترضت أن سائلًا سألني أن أرجِّح قولًا من أقوالهم.
أما إن خلَّيت ونفسي، وخُيِّرْتُ بين المذهبين: مذهب التفويض، ومذهب التأويل، فأنا على الأول منهما إن شاء الله تعالى، والله حسبي وهو نعم الوكيل.