السابع: أنه من أنكر لفظًا من ألفاظ القرآن الكريم كفر؛ لأنه متواتر كله، بخلاف الحديث القدسي، فإنه من أنكر شيئًا منه لم يُعْلَمْ من الدين بالضورة لا يكفر، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
وأما إن قلنا: إن الحديث القدسي هو ما نَزَلَ من عند الله بمعناه دون لفظه، فلا يكون هناك ما يستدعي ذكر هذه الفروق.
وهذا القول هو الأولى بالقبول من سابقه.
قال محمد عبد الله دراز في كتابه "النبأ العظيم"١ مرجِّحًا هذا القول: "وهذا هو أظهر القولين فيه عندنا؛ لأنه لو كان منَّزلًا بلفظه لكان له في الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنَّظْمِ القرآني، إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منَزَّلَين من عند الله، فكان من لوازم ذلك وجوب المحافظة على نصوصه، وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعًا، وحرمة مسِّ المحدِّث لصحيفته، ولا قائل بذلك كله.
وأيضًا فإن القرآن لما كان مقصودًا منه مع العمل بمضمونه شيء آخر وهو التحدي بأسلوبه والتعبد بتلاوته احتيج لإنزال لفظه، والحديث القدسي لم ينزل للتحدُّث ولا للتعبُّد، بل لمجرد العمل بما فيه، وهذه الفائدة تحصل بإنزال معناه.
فالقول بإنزال لفظه، قول شيء لا داعي في النظر إليه، ولا دليل في الشرع عليه، اللهمَّ إلا ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة "يقول الله تبارك وتعالى كذا".
لكن القرائن التي ذكرناها آنفًا كافية في إفساح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه، وهذا تأويل شائع في العربية، فإنك تقول حينما تنثر بيتًا من الشعر: "يقول الشاعر كذا"، وتقول حينمًا تفسِّر آية من كتاب الله بكلام من عندك "يقول الله تعالى كذا"، وعلى هذه القاعدة حكى الله تعالى عن موسى وفرعون، وغيرهما مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم، وأسلوب غير أسلوبهم، ونسب ذلك إليهم.