فإن الاستثناء هنا خصَّصَ العموم في الآية، وجعله مقصورًا على مَنْ يكفر عن اختيارٍ ورضا، ولولا الاستثناء لكان شاملًا لكل كافر، مختارًا أو مكْرَه.
وكقوله تعالى في سورة الأنفال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ١.
فإن الاستثناء في الآية الثانية أخرَجَ من الوعيد العام من فَرَّ من القتال لخداع العدو، أو للانضمام إلى فئة مؤمنة ليتقوَّى بهم على العدو.
الثاني: الصفة: فإنها غالبًا ما تكون قيدًا معتبرًا في تخصيص العام، كقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ ٢.
فكلمة النساء تشمل المدخول بهنَّ وغير المدخول بهنَّ، ولكنها لمَّا وصفت بالدخول صارت قاصرة على النساء المدخول بهنَّ.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ ٣.
فكلمة الفتيات عامة تشمل المؤمنات وغير المؤمنات، لكنها لما وصفت بالمؤمنات صارت مقصورة على المؤمنات دون غيرهنّ.
الثالث: الشرط؛ كقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ ٤.
فالشرط في هذه الآية قصر استحقاق الأزواج النصف على حالة عدم الولد، ولولاه لأفاد الكلام استحقاقهم للنصف في جميع الأحوال.
وقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ ٥.

١ آية: ١٥-١٦.
٢ النساء: ٢٣.
٣ النساء: ٢٥.
٤ النساء: ١٢.
٥ البقرة: ١٨٠.


الصفحة التالية
Icon