وقالوا أيضًا: "إن كلام الله تعالى متحد في ذاته، لا تعدو فيه، فإذا نصَّ على اشتراط الإيمان في كفارة القتل، كان ذلك تنصيصًا على اشتراطه في كفارة الظِّهار"١.
وضعَّفَ الإمام الرازي في "المحصول"٢ قول الشافعية بقوله: "لأن الشارع لو قال: أوجبت في كفارة القتل رقبة مؤمنة، وأوجبت في كفارة الظِّهار رقبة كيف كانت، لم يكن أحد الكلامين مناقضًا للآخر، فعلمنا أن تقييد أحدهما لا يقتضي تقييد الآخر لفظًا" أ. هـ.
وما احتجُّوا به من أن القرآن متحدٍّ في ذاته، فقد فنَّده الرازي وغيره من علماء الأصول، وحاصل ما ذكروه أنه لا يلزم من عدم حمل المطلَق على المقيَّد تناقض إذا كانت الأحكام مختلفة في أسبابها.
فكفارة الظِّهار تختلف عن كفارة القتل من حيث السبب، ومن حيث الجرم، وتتابع الصيام في الظِّهار بخلاف الصوم في كفارة اليمين، فليس مَنْ حَنَثَ في يمينه كالذي ظاهر في امرأته.
فالأول: يجوز له الحنث في اليمين إن حلف على شيء ورأى غيره خيرًا منه، ولهذا لم يشترط الشارع التتابع في كفارته بالصوم.
والثاني: أتى منكرًا من القول وزورًا، فشُدِّدَت عليه العقوبة؛ فأُمِرَ بصيام شهرين متتابعين، إن لم يجد رقبة يعتقها.
ولو كان عدم حمل المطلَق على المقيَّد يؤدي إلى التناقض في القرآن كما زعموا، لوجب أن يتقيد كل عام ومطلَق بكل خاصٍّ ومقيَّد.
وأما الحنفية فقد احتجوا على ما ذهبوا إليه بقولهم: "إن حمل المطلَق على المقيَّد، خلاف عُرْفِ أهل اللغة، بل في عرفهم إجراء المطلق على إطلاقه، والمقيَّد على تقييده.
فإن من قال لآخر: "أعتق عبيدي"، ثم قال بعد ذلك: "أعتق عبدي الأبيض"، فله أن يعتق أيَّ عبد شاء، ولا يتقيَّد بالأبيض.
٢ انظر الجزء الأول القسم الثالث ص٢١٩.