أما شبهة إيهام بقاء الحكم، وتعريض المكلَّف للجهل والخلط، فهي مردودة بأن النَّسْخَ لا يُصَارُ إليه إلّا بدليل معلوم للمكلَّف، وإذا عُلِمَ الدليل الناسخ زال الجهل، وبَعُدَ احتمال الخلط في الأحكام١.
١ انظر اللآلئ الحسان ص٢٠٢، ٢٠٣.
الثالث: نَسْخُ الحكم والتلاوة
وهذا النوع من النَّسْخِ جائز عقلًا، ولكنه لم يقع.
وقد وردت في وقوعه آثار ذكرها الطبري وغيره، لا يعوَّل عليها، لهذا ضربنا عنها صفحًا.
النَّسْخُ إلى بدل، وإلى غير بدل:
ينقسم النَّسْخُ إلى بدل، وإلى غير بدل.
أما القسم الأول: فلا خلاف فيه بين العلماء، وأمثلته كثيرة سيأتيك كثير منها إلى جانب ما قد مضى ذكره، ومعناه: أن الشارع الحكيم إذا نسخ حكمًا أبدله بحكم آخر أخفَّ منه، أو أثقل منه، أو مساوٍ له، لحكمة نعلمها أو لا نعلمها.
أما النَّسْخُ إلى غير بدل، فقد وقع فيه الخلاف بين الأصوليين، فمنهم من منعه، ومنهم من أجازه.
ومن المانعين له الشافعي -رضي الله عنه، وهو أوَّل من وضع علم الأصول على الراجح من أقوال المؤرِّخين.
فقد قال في الرسالة١: "وليس يُنْسَخُ فرض أبدًا إلّا أُثْبِتَ مكانه فرض، كما نُسِخَت قِبْلَةُ بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة، وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا".
ومن المجوِّزين: الآمدي٢، فهو يقرِّرُ أن مذهب الجميع جواز نسخ حكم الخطاب لا إلى بدل، خلافًا لمن شذَّ منهم.
واستدلَّ على وقوعه بأدلة كثيرة، منها:
١ ف ٣٢٨.
٢ راجع ص١٦٤ ج٣ من الإحكام.
٢ راجع ص١٦٤ ج٣ من الإحكام.