وذهب جماعة من المفسِّرين إلى أنها محكَمَة لا نسخ فيها، وهو الراجح عندي.
وبيان ذلك: أن الآية الأولى في الترتيب فرضت على المرأة أن تعتدَّ في بيت الزوجية أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليهنَّ، لا تخرج فيها من بيتها إلّا لحاجتها الضرورية، ولا تتزين للرجال، ولا تتعرَّض لهم من أجل الزواج، حتى تنقضي عدتها.
والآية الثانية في الترتيب نقلت حكم الآية الأولى من الوجوب إلى الندب، فصارت العدة الواجبة هي أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليهن، والحول صار مستحبًّا لا واجبًا.
وهذا الاستحباب إما أن يكون وصيةً من الله للورثة؛ مبالغة في تكريم المرأة وإسهامًا منه في رفع المعاناة عنها، وتطيبًا لنفسها ووفاءً لزوجها، وإمَّا أن يكون وصية من الزوج قبل موته، وإمَّا أن يكون وصية من الورثة بعضهم لبعض.
وأما النفقة فليست مرفوعة بميراثها من زوجها؛ لأن هذه الوصية على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، فآية المواريث نقلت الحكم من الوجوب إلى الاستحباب ولم ترفعه بالكلية.
ومن هنا نفهم أن النَّسْخَ في هذه الآية يُحْمَلُ على معناه الواسع الذي قال به السلف، والخلاف بين الفريقين لفظي أو اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، وكلٌّ من الفريقين على الصواب إن شاء الله تعالى.
ومن نظر في هاتين الآيتين وجد الأمر كما قررناه، فالآية الأولى فيها ذكر التربص وهو الانتظار والحبس عن الزواج حتى تنتهي العدة، بخلاف الآية الثانية، وبذلك تكون الآية الأولى خاصَّة بالزمن الذي لا تتعرَّض فيه المرأة إلى خطبة الأزواج، وما تبقى من الحول وهو سبعة أشهر وعشرين يومًا تكون المرأة فيه مخيَّرة بين الانتقال من بيت الزوج المتوفى والتزوج بآخر، والمكث في بيت زوجها المتوفى عنها دون أن تتزوج بآخر؛ وفاء لزوجها الأول ومبالغة في تكريمه، وعندئذ تكون أهلًا لإكرام أهل زوجها لها، واعتزازهم بوجودها بينهم.


الصفحة التالية
Icon